لم تؤلف جمانة طه كتاباً آخر ينضم إلى ما تحفل به المكتبة العربية من كتب السجون والمعقلات، بل كتاباً امتاز عن غيره بالعمق والشمول من جهتين: اتساع رقعة البحث التاريخي ليشمل القديم والحديث من تاريخ السجون والمعتقلات، والعدد الكبير من الأسماء الأدبية التي استعرضت تجاربها وألقت الضوء على المعاناة التي ذاقها هؤلاء في سجون الاستبداد قديمه وحديثه، وقدمت نماذج من أعمالهم وأوردت بعض ما صرحوا به بأنفسهم.
هذا ولم يقتصر الحديث عن السجون في بلد عربي بعينه، بل في معظم البلدان ومختلف أنواع الأنظمة التي تحكم تلك البلدان. أما الأدباء الذين أبرزت تجاربهم وقدمت شيئاً من أعمالهم فهم طيف واسع ومن مدارس ومذاهب أدبية شتى، من الجاهلي عبد يغوث بن الحارث حتى عبد اللطيف اللعبي ويوسف الصائغ وتركي الحمد وكمال سبتي وفرج بيرقدار وياسين الحاج صالح، على سبيل الذكر لا الحصر.
وحول منهج البحث في هذا الكتاب، تقول جمانة طه:
«تنبني هذه الدراسة على حكايات هؤلاء المدمَّرين والمسحوقين الذين سعوا إلى لحظة صفاء ذاتي، وتحرر داخلي مُنع عليهم بلوغه. فمن خلال إبداعاتهم استطعت أن ألتقط نبضهم في أثناء وجودهم في السجن، وبعد خروجهم منه. فإذا كان بعض المعتقلين قد تمكنوا من الابتعاد عن حياتهم في السجن، فإن بعضهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا منها. فحريتهم قيّدت مستقبلهم، ومنحتهم راهنًا مثقلًا بالخيبة والألم. فالشعر الذي نظموه والنثر الذي كتبوه في فترة حبسهم هو الوثيقة الرئيسة لهذه الدراسة، إلى جانب ما صدر عنهم من قبل وأدى بهم إلى الاعتقال والسجن والنفي وحتى القتل. وسيجد القارئ أن القاسم المشترك بين الأدباء المثبت ذكرهم في الدراسة، هو البعد الإنساني المتوافر في حياتهم ومعاناتهم. وستضعه أشعارهم وسردياتهم، في قلب تجربة الأسر حتى ليشعر أنه يعيشها واقعًا حقيقيًا وليس مجرد كلام كُتب للقراءة».